الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم
.15- هل يجوز قطع القراءة لمكالمة أحد: يكره قطع القراءة لمكالمة أحد. وعلل ذلك الحليمي بأن كلام الله لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره. وأيده البيهقي بما روي في الصحيح: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، ويكره أيضا الضحك والعبث. والنظر إلى ما يلهي فإن اضطر إلى مكالمة أحد. أو إلى أي عمل فليختم، فإذا فرغ تعوذ وبدأ من حيث انتهى..16- لا يجوز قراءة القرآن بالعجمية: مطلقا سواء أحسن العربية أم لا، في الصلاة أم خارجها، وعن أبي حنيفة أنه يجوز مطلقا. وعن أبي يوسف ومحمد لمن لا يحسن العربية لكن في شارح البزدوي أن أبا حنيفة رجع عن ذلك، أقول: نعمّا صنع الإمام أبو حنيفة حينما رجع عن ذلك والرجوع إلى الحق فضيلة وهو اللائق بالإمام الجليل.ووجه المنع وعدم الجواز أنه يذهب إعجازه المقصود منه، والذي هو من أخص خصائص القرآن، والله سبحانه الذي وحد المسلمين تحت راية القرآن يجب أن تتوحد ألسنتهم بلغة القرآن، اللغة العربية الشريفة، ولو جوزنا ذلك لفات هذا الغرض الشريف.وإلى المنع ذهب الإمام القفال من الشافعية، وكان يقول: إن القراءة بالفارسية لا تتصور؛ فقيل له: فإذا لا يقدر أحد أن يفسر القرآن!!فقال: ليس كذلك؛ لأن المفسر يجوز أن يأتي ببعض مراد الله، ويعجز عن البعض، أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله تعالى؛ لأن الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها، وذلك غير ممكن، بخلاف التفسير.أقول: وما ذكره القفال هو الحق، والذي يجب أن يفتى به؛ فالترجمة الحرفية للقرآن غير ممكنة، أما الترجمة التفسيرية، أو إن شئت الدقة فقل ترجمة تفسيره فهي ممكنة وجائزة..17- لا تجوز القراءة بالشاذ من القراءات: وهو ما لم يصح سنده وذلك مثل القراءة الشاذة ملك يوم الدّين على أن ملك فعل ماض، ونصب يوم وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك، لكن ذكر موهوب الجزري جوازها في غير الصلاة قياسا على جواز رواية الحديث بالمعنى.أقول: وما قاله موهوب غير مسلم. والقياس على الرواية بالمعنى قياس مع الفارق، فإن اللفظ في القرآن ركن من أركانه، ولا يتحقق كونه قرآنا إلا به، ولا كذلك الأحاديث، فإن لفظها ليس معجزا والمعول عليه فيها المعنى دون اللفظ، وإن كانت الرواية باللفظ أولى وأفضل عند الجمهور لمن يتيقن منه وحفظه..مراعاة ترتيب المصحف في القراءة: الأولى والأفضل أن يقرأ القارئ على ترتيب المصحف؛ لأن هذا الترتيب ارتضاه الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم.قال في شرح المهذب: لأن ترتيبه لحكمة فلا يتركها إلا فيم ورد فيه الشرع كصلاة صبح يوم الجمعة بـ {ألم * تنزيل} يعني السجدة و{هَلْ أَتى} يعني سورة الإنسان، ونظائره، فلو فرق السور، أو عكسها جاز، ولكن قد ترك الأفضل.وقال أيضا: أما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفق على منعه؛ لأنه يذهب بعض أنواع الإعجاز يعني التناسب البلاغي بين الآيات ويزيل حكمة الترتيب.قال السيوطي: وفيه أثر: أخرج الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوسا قال: ذاك منكوس القلب.وأما خلط سورة بسورة فعد الحليمي تركه من الآداب لما أخرجه أبو عبيدة عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة فقال: «يا بلال مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة» قال: خلطت الطيب بالطيب فقال: «اقرأ السورة على وجهها»، أو قال: «على نحوها»، مرسل صحيح، وهو عند أبي داود موصول عن أبي هريرة بدون آخره. وأخرجه أبو عبيدة من وجه آخر عن عمر بن عفرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «إذا قرأت السورة، فأنفذها» وقال: حدثنا معاذ عن ابن عوف: قال: سألت ابن سيرين عن الرجل يقرأ من السورة آيتين ثم يدعها ويأخذ في غيرها قال: ليتق أحدكم أن يأثم إثما كبيرا وهو لا يشعر، وأخرج عن ابن مسعود قال: إذا ابتدأت في سورة فأردت أن تتحول منها إلى غيرها فتحول إلى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} فإذا ابتدأت فيها فلا تتحول حتى تختمها. وأخرج عن ابن أبي الهزيل قال: كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية ويدعوا بعضها قال أبو عبيد: الأمر عندنا على قراءة الآيات المختلفة، كما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال، وكما أنكره ابن سيرين على من سأله.وأما حديث عبد الله بن مسعود فوجهه عندي أن يبتدئ الرجل في السورة يريد إتمامها، ثم يبدو له في أخرى، فأما من ابتدأ القراءة وهو يريد التنقل من آية إلى آية، وترك التأليف لآي القرآن، فإنما يفعله من لا علم له؛ لأن الله لو شاء لأنزله على ذلك.وقد نقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة.قال البيهقي: وأحسن ما يحتج به أن يقال: إن هذا التأليف لكتاب الله مأخوذ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذه عن جبريل فالأولى للقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول وقد قال ابن سيرين: تأليف الله خير من تأليفكم.أقول: والتنقل من آية إلى أخرى ومن سورة إلى أخرى من غير داع يفعله بعض القراء اليوم وبعضهم قد يترك آية تخويف أو زجر ويقرأ ما بعدها، وبعضهم يترك آية السجدة ويستمر في القراءة، والبعض يبدأ حيث لا ينبغي البدء، أو يقف حيث لا يتم الكلام، ومن ذلك أن بعضهم إذا قرأ سورة مريم يبدأ بقوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} ويدع {كهيعص} ولا أدري لم هذا ولعل فيما ذكرناه عن السلف وأهل العلم ما يكون فيه مدكر لهم ووازع يزعهم..19- استيفاء حروف القراءات: قال الحليمي: يسن استيفاء كل حرف- أي قراءة- أثبته قارئ ليكون قد أتى على جميع ما هو قرآ.وقال ابن الصلاح والنووي: إذا ابتدأ بقراءة أحد من القراء فينبغي أن لا يزال على تلك القراءة ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى، والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس.وقال غيرهما بالمنع مطلقا يعني سواء أكان الكلام مرتبطا بعضه ببعض في المعنى أم لا، قال ابن الجزري: والصواب أن يقال إن كانت إحدى القراءتين منع ذلك منع تحريم؛ كمن يقرأ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} برفعهما أو نصبهما، أخذ رفع آدَمُ من قراءة غير ابن كثير وأخذ رفع {كَلِماتٍ} من قراءته، ونحو ذلك مما لا يجوز في العربية واللغة.وما لم يكن كذلك فرق فيه بين مقام الرواية، وغيرها، فإن كان على سبيل الرواية حرم أيضا؛ لأنه كذب في الرواية، وتخليط، وإن كان على سبيل التلاوة جاز.أقول: ولعل في هذا زاجرا، وواعظا لبعض القراء الذين يذهبون جمال القرآن بذكر القراءات في اللفظة الواحدة من غير فصل بين قراءة وأخرى، ويريدون إظهار المهارة في القراءات: وما هو- علم الله- من المهارة في شيء، وإنما هو إغراب وإشكال على السامعين، وعدم مراعاة لما يليق بالقرآن، والتأدب في قراءته..20- الاستماع للقرآن والإنصات إليه: يسن الاستماع لقراءة القرآن وترك الكلام والحديث مع الغير واللفظ عند القراءة، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 304].وظاهر الأمر للوجوب، وإلى هذا ذهب بعض السلف والعلماء، والجمهور على أنه سنة وليس بواجب في غير الصلاة؛ وذلك لأن الآية نزلت في استماع المأموم عند قراءة الإمام؛ منهم من عمم ذلك في الجهرية والسرية، ومنهم من فرق بين السرية والجهرية، فأوجب القراءة في الأولى دون الثانية ومنهم من لم يفرق بينهما وأوجب القراءة فيهما، والمراد بالاستماع التأمل والتفكير فيه، ولما كان الاستماع قد يكون مع السكوت، وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يحول بين المتكلم وبين فهم ما يسمع عقب الله سبحانه ذلك بالأمر بالإنصات وهو عدم الكلام.وكذلك الإنصات قد يكون مع الاستماع؛ أي: التدبر فيما يسمع والتفكر فيه، وقد يكون مع عدم الاستماع، كأن يكون مفكرا في أمر آخر فمن ثم جمع الله سبحانه وتعالى بينهما؛ لأن المراد الإنصات، مع التدبر والتفكر، فلا يغني أحدهما عن الآخر؛ وقيل المراد بالاستماع الإجابة والعمل، فعلى سامع القرآن أن ينصت؛ ثم يكون العلم والعمل.ومهما يكن من شيء فالإصغاء والاستماع عند قراءة القرآن من الآداب التي ينبغي مراعاتها على كل مسلم تجاه القرآن الذي هو كلام الله.وعسى أن يكون في هذا وازع يزع هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم بألفاظ الاستحسان عند سماع القرآن كأنما يستمعون إلى مغن أو مغنية، والله يعلم أنهم لا يعون شيئا مما يسمعون، ومما يزيد الطين بلة أنهم يرفعون أصواتهم المنكرة في المساجد التي هي بيوت الله؛ فلا يراعون لبيوت الله حرمة، كما لا يراعون لكلامه حرمة.
|